العالم السرى لفرق شحن المدمنين لمصحات «بير السلم» بالإكراه
معاناة يومية مريرة تعيشها أسرة المدمن الذي ترك نفسه لمادة مخدرة تنهش عقله وجسده ليتحول إلى شخص منبوذ وسط أهله وأصدقائه المقربين، ذئب بشري لا يفكر سوى في طريقة تدبير الأموال لشراء المواد المخدرة.
في تلك المحطة الكارثية من رحلة المدمن ومعاناة عائلته، تستقر الأسرة على اللجوء إلى حل حجز المدمن في إحدى المصحات للعلاج والتعافي من الإدمان، ورغم منطقية القرار إلا أنه قد يكون الأصعب في رحلة المريض فليس من السهل إقناع مدمن بالاحتجاز داخل مصحة للعلاج والتوقف عن تعاطي مادته المخدرة ليطل السؤال الأصعب برأسه بحثًا عن الحل «كيف يصل المدمن إلى المصحة؟».
لجأت العديد من مراكز ومصحات علاج الإدمان غير المرخصة إلى العمل بنظام الشحن، وهو عبارة عن تكوين فريق متخصص في نقل المدمنين من منازلهم إلى المراكز مقابل مبلغ مادي يصل إلى 2000 جنيه.
وفي رحلة البحث وكشف أسرار وكواليس عمل فرق شحن المدمنين لمصحات العلاج من الإدمان،
آية حجازي، في العقد الثالث من عمرها، مقيمة بمنطقة بولاق الدكرور، والتي تروي قصة معاناتها مع شقيقها المدمن ورحلة علاجه التي بدأت بذكريات مأساوية تتعلق بعملية شحنه إلى المصحة.
تقول «آية»: «كنت بدعي ربنا أن ربنا يعجل بعلاج أخويا من الإدمان ويبقى شخص محترم وفي يوم لاقيت إعلان على فيس بوك مكتوب عليه أخذ المدمن بسرية واحترام الخصوصية والسرية التامة والسلامة اعتبارات ضرورية للأفراد الذين يبحثون عن العلاج ويتطلعون إلى التعافي من اضطرابات تعاطي المخدرات».
تواصلت «آية» على الفور مع المصحة الكائنة بمدينة العبور، وأخبرتهم بحالة شقيقها، وقال لها مسئول المصحة إن تكلفة علاجه ستبلغ 4 آلاف جنيه في الشهر الواحد، بخلاف مبلغ 500 جنيه لتوفير متطلباته الشخصية كالسجائر وماكينات الحلاقة، ليأتي السؤال الصعب «كيف سيتم نقل أخيها من منطقته ببولاق الدكرور إلى العبور؟».
وجاءت إجابة مسئول المصحة بأنه سيقوم بإرسال فريق شحن متخصص يقوم بعملية نقل شقيقها من المنزل للمصحة، موضحًا أن الأمر سيكلفها 2000 جنيه وهي عبارة عن أجرة فريق الشحن والسيارة التي ستقوم بنقله.
وأضافت «آية»«تم الاتفاق وأرسلت جزءا من مستحقات المصحة مقدمًا عن طريق المحفظة الإلكترونية وتم تحديد ساعة الصفر».
واستكملت: «وجدت سيارة فيرنا بداخلها 4 أشخاص صعدوا للمنزل وقاموا بالدخول إلى غرفة شقيقي وتعدوا عليه بالضرب المبرح حتى سقط فاقدًا للوعي، وتم اصطحابه للسيارة والذهاب للمصحة».
وأشارت إلى أنها دخلت في حالة بكاء هستيري لما حدث مع شقيقها أمام أعينها، لتتصل على الفور بمسئول المصحة للاطمئنان على صحة شقيقها، إلا أن رده كان صادمًا: «فين باقي الفلوس».
صدمة «آية» الكبرى بمطالبة المصحة لها بدفع باقي المستحقات دون أي اهتمام بطمأنتها على حالة شقيقها، ليستكمل المسئول حديثه بنبرة تهديد: «لو الفلوس موصلتش هنرمي أخوكي في الشارع».
واستطردت حديثها مؤكدة أنها بعد مرور ساعتين قامت بتحويل المبلغ المتبقي من حساب المصحة وبالاتصال مرة أخرى سمحوا له بسماع صوت شقيقها والاطمئنان عليه.
وتابعت: «روحي ردت فيا مرة تانية، فكرت للحظة أني أقوم بتحرير محضر في قسم شرطة بولاق واتهم فيه فريق الشحن بالتعدي على شقيقي وخطفه ولكن المكالمة دي رجعتني في قراري».
وأوضحت أنها أثناء علاج شقيقها بتلك المصحة اكتشفت أنهم يقومون بمزاولة مهنة الصيدلة دون ترخيص، وصرف أدوية وعقاقير نفسية وعصبية دون استشارة طبيب، معقبة: «بالإضافة إلى أن القائمين على إدارة المكان غير متخصصين والمكان غير صادر له أي تراخيص ولا توجد به أي تجهيزات طبية».
وأشارت إلى أنها اطلعت على خبر صحفي في أحد المواقع الإخبارية بعد خروج شقيقها من المصحة بأشهر قليلة يفيد بتشميع المصحة واكتشاف أجهزة الأمن أن القائمين على إدارة المصحة أصحاب سجلات جنائية وغير مؤهلين، متابعة: «كانوا مدمنين وتعافوا وقرروا استئجار هذا المكان لإدارته كمصحة للربح منه».
واختتمت «آية»، قائلة: «كنت كل شهر بدفع فلوس للمصحة على أمل خروج أخويا متعافي من التعاطي، وبعد 4 شهور من العلاج في المصحة للأسف اكتشفت أن المحاولة فشلت وأني اختارت لأخويا المكان الخاطئ لأنه استمر في تعاطي المخدرات بالإضافة إلى ما مر به من تعذيب وإهانة على يد أعضاء فريق الشحن».
بينما يروي محمود سالم، البالغ من العمر 33 عامًا، أحد أعضاء فريق شحن تابع لإحدى مراكز التأهيل وعلاج الإدمان بمنطقة حدائق الاهرام، أنه في بداية عام 2020 وبعد خروجه من السجن في قضية سرقة، قام أصدقاء السوء بإدخاله «سكة الإدمان» متعاطيًا لجوهر الهيروين المخدر.
وتابع: «قضيت وقتها أصعب أيام حياتي، لأني مكنتش وقتها امتلك قراري، وربنا أنعم عليا وتم حجزي في مركز تأهيل وتعافيت تمامًا من الإدمان».
وأضاف: «وفي عام 2022 وبدون أي تدريبات أو خبرات أو حتى مؤهلات تم تعييني موظفا في ذات المصحة لأصبح المسئول عنها بالاشتراك مع مجموعة من أصحاب السجلات الجنائية، وبدأنا في النزول سويًا مستخدمين سيارة ملاكي إلى منطقة دار السلام، وذلك لتنفيذ أول عملية شحن مدمن في حياتي، وكانت التعليمات أن ننهال على المدمن بالضرب المبرح حتى نقوم بشل حركته وبذلك نستطيع نقله داخل السيارة للمصحة».
واستكمل «سالم» حديثه وهو يرتجف حين تذكر ما حدث في هذا اليوم، حيث وصف -على حد تعبيره- أن المدمن فقد الوعي نتيجة الضرب، وظل يومين تحت الملاحظة وبعدها تحسنت صحته، معقبًا: «كانت أصعب 48 ساعة مروا عليا وكنت خايف المريض يتوفى، وبعدها اشتركت في عمليات شحن مدمنين كتير وأصبح الأمر عاديا بالنسبة لي، وإدارة المصحة كانت تقوم بتدريبنا بضرب النزلاء حتى تقوى قلوبنا».
وأوضح أن غالبية النزلاء بالمصحة تم إدخالهم إليها عنوة وبالإكراه باتفاق أسرهم مع المسئولين عن المصحة، مشيرًا إلى أن فرق الشحن، تتولى عملية الذهاب إلى منزل المدمن بعد تحديد الموعد مع أسرته للسيطرة عليه واقتياده رغمًا عنه، وفي حالة المقاومة يتم تكبيله وتقييد أطرافه وفي بعض الأحيان يتم الاستعانة بـ«حقنة مهدئة» لسهولة شحنه ونقله للمصحة.
واختتم «سالم»، حديثه لـ«النبأ»، قائلًا إنه عاد إلى طريق الإدمان مرة أخرى وتعاطي المخدرات حتى يستطيع نسيان ما كان يقوم به من أعمال ضرب وتعذيب للنزلاء، موضحًا أنه ترك العمل في تلك المصحة ويتمنى أن يغفر له الله ما فعله.