التحقيقات

خطة الحكومة لتأجير المستشفيات الحكومية لرجال الأعمال والشركات الخاصة

أثار القانون الجديد بمنح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية المعروف إعلاميا بـ«قانون تأجير المستشفيات»، حالة من الجدل والخوف والرفض التام من نقابة الأطباء ونواب وأحزاب معارضة والمجتمع المدني، وتساءل العديد عن  مصير الأطقم الطبية والعاملين بهذه المنشآت الصحية ومصير المرضى، وهناك مخاوف كثيرة من سيطرة القطاع الخاص دون رحمة، وذلك بعد موافقة مجلس النواب نهائيا الأسبوع الماضي عليه

ونص مشروع القانون على جواز منح التزامات المرافق العامة للمستثمرين المصريين أو الأجانب، سواء كانوا أشخاصا طبيعيين أم اعتباريين، لإنشاء وإدارة وتشغيل المنشآت الصحية، أو لإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية القائمة، وذلك وفقا لإحدى الطرق المبينة بقانون تنظيم التعاقدات التي تُبرمها الجهات العامة الصادر بالقانون رقم 182 لسنة 2018 حسب طبيعة كل مشروع، وبمراعاة عدد من الشروط والقواعد والإجراءات.

وتضمنت الشروط والقواعد الحفاظ على المنشآت الصحية وما تشتمل عليه من تجهيزات وأجهزة طبية لازمة لتشغيلها، والالتزام بتقديم الخدمات الصحية بأحكام القوانين والقرارات المطبقة على المنشآت الصحية، وكذا المُنظمة لتقديم الخدمات المكملة الموجودة بها، وأن يتوافر في الملتزم الخبرات اللازمة لتشغيل المنشأة الصحية.

كما تضمنت الشروط عدم التنازل عن الالتزام للغير دون الحصول على إذن من مجلس الوزراء، وألا تقل مدة الالتزام عن 3 أعوام ولا تزيد على 15 عامًا، مع أيلولة جميع المنشآت الصحية بما فيها من تجهيزات وأجهزة طبية لازمة لتشغيلها إلى الدولة في نهاية مدة الالتزام دون مقابل وبحالة جيدة، وتمت الموافقة على مشروع القانون.

وفي هذا الصدد، قال الدكتور خالد عبدالغفار، وزير الصحة والسكان، إن السماح للقطاعين الخاص والأهلي بالمشاركة في تقديم خدمات الرعاية الصحية ليس انسحابا للحكومة من دورها، وإنما يسهم في التطوير وتقديم خدمات أفضل، وتحفيز بيئة الاستثمار.

وأضاف وزير الصحة، في تصريحات سابقة، أن طرح المنشآت الصحية على القطاع الخاص سيكون عبر قنوات كثيرة، تنتهي بإصدار عقد التزام بقرار من مجلس الوزراء، ولن يكون مسؤولية الوزير المختص بمفرده.

وناشدت نقابة الأطباء، رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، باستخدام صلاحياته الدستورية، بعدم التوقيع عليه، حيث تنص المادة 123 من الدستور على أنه: «لرئيس الجمهورية حق إصدار القوانين أو الاعتراض عليها، وإذا اعترض رئيس الجمهورية على مشروع قانون أقره مجلس النواب، رده إليه خلال ثلاثين يومًا من إبلاغ المجلس إياه، فإذا لم يرد مشروع القانون فى هذا الميعاد أعتبر قانونا وأصدر، وإذا رد فى الميعاد المتقدم إلى المجلس، وأقره ثانية بأغلبية ثلثى أعضائه، أعتبر قانونًا وأصدر».

تحقيق حياة كريمة للمواطنين

وفي السياق، قال الدكتور حسام عبد الغفار، المتحدث الرسمي لوزارة الصحة والسكان، إن القانون الجديد سيتيح لوزارة الصحة طرح تطوير أكثر من 500 مستشفى من مستشفيات التكامل على مستوى الجمهورية للقطاع الخاص، دون تحديد جدول زمني لطرحها حتى الآن، لافتا إلى أن المستثمر مصدر دخله من العلاج الاقتصادي.

وأكد «عبد الغفار»،، أن هذا القانون يحقق مجموعة من المصالح المرتبطة بالخدمات الصحية أهمها تحسين جودة الخدمات الصحية، وما نص عليه عنوان القانون من تطوير وإنشاء للمرافق الصحية التي تقدم الخدمات الصحية، لافتا إلى أن القانون الجديد يعمل على تنفيذ ما نصت عليه المادة 18 من الدستور من تحسين أوضاع العاملين في القطاع الصحي، وتشجيع مشاركة القطاع الخاص والأهلي في المنظومة الصحية.

وأشار إلى أن القانون الجديد يعتمد على شقين أولهما مشاركة الحكومة مع القطاع الخاص في إنشاء مرافق تقدم الخدمات الصحية، قائلا: «إني ده مش محل خلاف الحكومة هتشارك القطاع الخاص بقطعة أرض وده موجود من زمان»، والشق الثاني يقوم على تطوير وتشغيل المرافق الصحية، مؤكدا أنه سيتم إلزام المستثمر باستمرار تشغيل نسبة لا تقل عن 25% كحد أدنى قابل للزيادة من العاملين بالمنشأة الصحية، مشيرا إلى أنه تم تحديد- لأول مرة- رخصة مكانية محددة إضافة إلى باقي شروط مزاولة المهنة بمعنى أن الترخيص يسمح للأجانب بمزاولة المهنة داخل هذه المنشأة فقط.

وأكد أن العاملين بالمرفق الذين لم يتم اختيارهم داخل المستشفى المختار تطويرها من قبل القطاع الصحي يحتفظون بدرجتهم الوظيفية، والدخل المادي، لافتا إلى أن معايير الاختيار تقوم على حسب احتياجات تقديم الخدمة.

وتابع أن المستثمر سواء شخصية اعتبارية (شركة أو مؤسسة) أو حقيقية (أفراد مصريين أو أجانب) يدخل المرفق الصحي بعد موافقة الجهات المعنية، مشيرا إلى أن المستثمر سيأخذ التزام بتقديم خدمة صحية بشرط التطوير من بناء جديد وزيادة عدد الأسرة وأجهزة جديدة، وتدريب الأطباء ويشمل كل معاني التطوير والتشغيل والإدارة وبعد 15 عاما سيتم استرجاعها إلى الدولة متطورة.

وأكد أن الخدمة ستقدم للمريض كما هي دون تفرقة سواء العلاج على نفقة الدولة أو تأمين صحي بل ستكون متطورة ولكن سيكون الاختلاف في نوع الغرفة والأكل المقدم للمريض وعدد المرافقين، مضيفا أن المريض ليس طرفا  في هذا القانون ولكنها شراكة بين القطاع الخاص والدولة.

وتابع أنه بناء على الإحصائيات من يتردد على المستشفيات 60% تأمين صحي قديم، والعلاج على نفقة الدولة 30%، مشيرا إلى أن الدولة تتحمل باقي النسبة وتتبقى نسبة 3% من يدفعون مقابل الخدمات، كما أن أسعار التأمين والعلاج على نفقة الدولة ستكون كما هي.

ولفت إلى أن القانون الجديد الذي يسمح للمستثمرين بإدارة وتشغيل المستشفيات له عوائد كثيرة على الدولة، مؤكدا أن المستثمر سيوفر على الدولة إنشاءات المستشفيات وتطويرها وتجهيزها؛ مما يدفعها لضخ أموال أكثر للعلاج على نفقة الدولة، وسيعود على المريض، إضافة إلى أن الدولة ستكون عامل جذب للقارة الإفريقية كلها.

وتابع أن معهد جوزتاف روسي وافق على أن 70% من الأسرة ستقدم بشروط الدولة، و30% وفق أسعارهم، من خلال زيادة في السعة السريرية من 154 إلى 257 سريرا في مستشفى دار السلام «هرمل»، وسيتم تطوير ورفع كفاءة قسم زرع النخاع من 14 إلى 36 غرفة، وسيتضاعف حجم قسم الجراحة ثلاثة أضعاف لاستيعاب 9 غرف عمليات «كبسولات» مع 45 سرير رعاية مركزة و120 كرسيا.

وأكد أننا نسعى لرضا المواطن وتحقيق الحياة الكريمة وتقديم خدمة جيدة، كما أن رضاه يمثل نجاح الحكومة.

وتابع أن البداية ستكون باختيار المستشفيات المجهزة جيدا وتقدم الخدمة بأجر مثل المستشفيات العلاجية، إضافة إلى أن هناك أكثر من صورة للمشاركة مع القطاع الخاص منها طرح مجموعة من الأراضي لبناء المستثمر بها أو بنائها من قبل الدولة ثم مشاركة القطاع الخاص بعد البناء، لافتا إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي وافق على تخصيص 10 قطع أراض لصالح وزارة الصحة.

وأشار إلى صورة أخرى من المشاركة، أن المستشفى موجود بالفعل ومجهز ولكن المستثمر سيعمل على تطويره فقط من خلال الأجهزة الحديثة، والدولة ستأخذ مقابل حق الالتزام وسيتم صرفه على الموطن.

وأشار إلى أن هناك مستثمرين أبدوا رغبتهم في الاستثمار في القطاع الصحي، ولكن لا نستطيع اتخاذ خطوات جدية للتعاقد إلا بعد الانتهاء من القانون.

يهدد استقرار الأطباء

من جانبه، قال الدكتور أسامة عبدالحي، نقيب الأطباء، إنه لا يوجد بمشروع قانون الحكومة أية ضمانات للحفاظ على حقوق الأطقم الطبية والفنية والإدارية بالمنشآت الصحية التي يتم تأجيرها؛ لأن القانون الجديد يُلزم المؤجر بالاحتفاظ بحد أدنى 25% من العاملين، وبالتالي يستطيع الاستغناء عن 75% منهم.

وأضاف «عبدالحي»،  أن القانون يهدد استقرار الأطباء وتشتت 75% من الأطقم الطبية والعاملين بالمنشآت الصحية، قائلا: «لو في معهد سيؤجر في محافظة ما ومفيش غيره في المحافظة مصير أطباء الأورام اللي في المعهد دول إيه هيتنقل لمحافظة أخرى ولا هيشتغل في تخصص غير تخصصه أو في منشأة طبية كممارس عام».

وتابع أن الـ25% التي سيتم الاحتفاظ بها سيعملون وفق قانون القطاع الخاص وليس قانون الخدمة المدنية في منشآت عامة.

وأكد نقيب الأطباء ترحيبه بتشجيع القطاع الخاص للمشاركة في تقديم الخدمات الصحية، وإنشاء وإقامة مستشفيات خاصة جديدة تضيف إلى الخدمة الصحية، وتذليل العقبات كافة في تسجيل وترخيص المنشآت الصحية، ومنح المستثمرين حزمة من الحوافز التي تشجعهم على بناء مستشفيات جديدة، وليس بتأجير المستشفيات الحكومية القائمة والتي تقدم خدماتها للمواطن المصري وبالأخص محدود الدخل.

رقابة كافية

ومن جهتها، قالت الدكتورة إيناس عبد الحليم، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، إن القانون الجديد قائم على تطوير المستشفيات أو إنشاء مرافق جديدة وفي نفس الوقت القطاع الخاص ملزم بتقديم الخدمة الطبية للمرضى على أعلى مستوى، وسيتم تطبيقه على مستوى محافظات الجمهورية والمدة لا تزيد عن 15 عاما، ويحق للدولة استرداد هذه المنشأة الصحية، مشيرة إلى المادة 18 من الدستور والتي تنص على العلاج المجاني والمحافظة على المنشآت الطبية وتقديم خدمة ذات جودة عالية وهذا هو حلمنا وحلم أي مواطن.

وأضافت «عبدالحليم»،  أنه لم يتم طرح مستشفيات للاستثمار من قبل القطاع الخاص حتى الآن، ولكن هناك مستشفى المبرة بالمعادي هي خير مثال للتطبيق ونرى جيدا التطوير والمستوى العالي في تقديم الخدمة داخل هذا المستشفى، لافتة إلى أنه سيكون هناك شراكة بين معهد هرمل للأورام ومعهد جوزتاف روسي الفرنسي وهو أشهر معهد على مستوى العالم، حيث إنه سيقدم الخدمة في مصر؛ مما يساعد على توفير سفر المصريين، ودعم مرضى الأورام، إضافة إلى تشجيع السياحة العلاجية.

وتابعت أنه سيتم إلزام المستثمر باستمرار تشغيل نسبة لا تقل عن 25% كحد أدنى قابل للزيادة من العاملين بالمنشأة الصحية، وبشرط موافقتهم مع مراعاة الحفاظ على الحقوق المالية والوظيفية لهم ولغيرهم من العاملين الذين سيتم نقلهم لجهات أخرى، وتقييد حق المنشآت الصحية في الاستعانة بأطباء وأفراد هيئة تمريض وفنيين أجانب، بحيث لا يتجاوز 25% كحد أقصى من إجمالي عدد العاملين بالمنشأة، على أن يكون الترخيص بمزاولة المهنة قاصرا على هذه المنشأة فقط.

وأكدت أنه سيكون هناك الرقابة الكافية من قبل الحكومة من خلال لجنة سيتم تشكيلها من مجلس الوزراء، والمسؤولة عن التعاقد والالتزام وسيطبق بها كل شروط المستشفيات من طوارئ وتأمين وعلاج على نفقة الدولة.

وأوضحت عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، أنه لا نستطيع الحكم إلا بعد ظهور اللائحة الداخلية، قائلة إننا نعمل على تقديم خدمة مميزة ولا نقبل بأي ضرر للمواطن المصري، مشيرة إلى عدم سريان أحكام هذا القانون على مراكز ووحدات الرعاية الصحية الأساسية وصحة الأسرة.

تحفظات شديدة للغاية

وفي السياق، قال الدكتور محمود فؤاد مدير جمعية الحق في الدواء، إن لجنة الصحة في مجلس النواب وافقت على قانون السماح للقطاع الخاص بتشغيل وإدارة المستشفيات الحكومية، لافتا إلى أنها أعادت صياغة القانون والتعديلات مقبولة مثل: 25% من الأسرة مجانية، وتشغيل الأطباء الأجانب بحدود معينة، رفع وحدات الرعاية الأساسية من المشروع كطب الأسرة والخدمات المتكاملة.

وشدد «فؤاد»،، على رفضه كممثل للمجتمع المدني المشروع بتحفظ شديد للغاية مناقشته في الوقت الحالي؛ لأن المواطن المصري عليه ضغوط كبيرة ولا يستطيع تحمل تحويل المستشفيات العامة المملوكة للدولة للعلاج بأجر، خاصة بعد صدور عدة قرارات في الفترة الماضية ومنها: زيادة تذكرة المستشفيات ويجوز رفعها أكثر من مرة خلال عام طبقا للائحة، صرف صنف دواء واحد فقط للمريض في وجود أزمة دواء طاحنة، وإلغاء بدل الوجبة للطبيب المقيم في المستشفى  36 ساعة، وزيادة أسعار الخدمات المقدمة في المستشفيات العامة.

وتابع أن منظومة العلاج على نفقة الدولة بها عجز كبير جدا، وأكثر من 42 طلب إحاطة في مجلس النواب تطالب بضرورة رفع الميزانية، مضيفا أن الدولة بها أكثر من 650 مستشفى حكومي.

وأكد أننا نشجع الاستثمار وحوافزه، ولكننا نرفض فكرة إدارة القطاع الخاص للمستشفيات قائلا: «مش قادر تدير ده اعتراف من وزارة الصحة بفشلها».

وأشار إلى أن الحكومة تعمل على غسل يديها من الإنفاق على الصحة، خاصة في ظل وجود تقارير حكومية من الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء تفيد بأن 20% من تعداد المصريين يصرف 10% من جملة إنفاقه على الصحة واصفا تلك الإحصائية بأنها رقم كارثي.

وأكد رفضه لفكرة التطوير في المستشفيات من القطاع الخاص، قائلا: «يعني إيه مستثمر يجي ياخد مستشفى جاهزة لكن يجي يبني مستشفى ويشغل عمالة مصرية ويشتري أجهزة ده كويس في سبيل إعطائه حوافز الأرض كمنفعة عامة أو المياه والكهرباء والغاز بنصف الثمن».

وأشار إلى أن العالم كله بما فيهم الولايات المتحدة تحاول وضع القطاع الصحي تحت مظلة الحكومة وليست القطاع الخاص، مشيرا إلى أن منظومة التأمين الصحي الشامل تعطي فرصة بشراكة القطاع الخاص.

وتابع أن هيئة الاستثمار طرحت 6 مستشفيات للإدارة منها مستشفى أبوتيج التابعة لمحافظة أسيوط، ومستشفى العاشر من رمضان، والعجوزة التخصصي بالجيزة، ومستشفيات أخرى.

ووجه سؤالا مهما لوزارة الصحة ما المشكلة في الإدارة قائلا: «إيه مشكلتك ليه مش قادر تدير، وما ضماناتك لتطبيق 25% خدمة مجانية للمواطنين»، مضيفا أن بند عمل الأجانب داخل المنشآت الطبية في القانون غير واضح قائلا: «هل من الممكن أن يترك طبيب أجنبي بلده وهو يتقاضى أكثر من 40 ألف إسترليني ويأتي ليعمل في مصر؟ في ظل 47 ألف طبيب مصري استقالوا من وزارة الصحة وفقا لجهاز التعبئة والإحصاء».

وأشار مدير جمعية الحق في الدواء، إلى أن الصحة في الوضع الحالي بها 70% من تقديم الخدمات الصحية للمستشفيات الحكومية، و30% للقطاع الخاص، لافتا إلى أنه بعد تنفيذ المشروع سيحدث سباق بين المستشفيات الحكومية التابعة للقطاع الخاص والمستشفيات الاستثمارية في تقديم الخدمة من حيث الأسعار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى