جامعات

كلاكيت تاني مرة.. سر رسوب طلاب كليات الطب فى الجامعات الحكومية

التفوق حليف طلاب الكليات الطبية، هذا ما اعتاده الجميع منذ زمن بعيد، إلا أنه في السنوات الثلاث الماضية «انقلبت الآية»، وراح طلاب الفرقة الأولى بكلية الطب وطب الأسنان، بعدد من الجامعات الحكومية -آخرها جامعتي سوهاج وجنوب الوادي- يضربون مثلًا في الإخفاق الذي جعل الجميع يستنكر، كيف لطلاب من المفترض أنهم اجتهدوا في الثانوية العامة ليستطيعوا الوصول إلى إحدى كليات القمة التي اشتهر عن طلابها التفوق، أن يكون الرسوب شبه الجماعي حليفهم بدلًا من التفوق؟ وما السبب وراء تلك الظاهرة؟

كلاكيت تاني مرة

للعام الثاني على التوالي، سجلت الفرقة الأولى من طلاب كلية الطب البشري جامعة جنوب الوادي، بالفصل الدراسي الأول للعام الجامعي الجاري 2023-2024 نسبة رسوب 56.1%، وعليه تكون نسبة النجاح هذا العام 43.99%، ما يعني أن عدد الطلاب الناجحين بلغ 260 من أصل 591 طالبا.

نتيجة طلاب الفرقة الثانية بالكلية ذاتها، للعام الجاري، البالغ عددهم 464 طالبًا، «لم تُسر» هي الأخرى، وإن كانت نسبة نجاحهم ارتفعت عن زملائهم بالفرقة الأولى، لاسيَّما وأنها بلغت 54.9%، ما يعني أن عدد الطلاب الناجحين 251 طالبًا.

العام الماضي كان أكثر سوءًا، وذلك لأن نسبة نجاح طلاب «طب جنوب الوادي» فيه الـ30% من عدد الطلاب المُقيدين بالفرقة الأولى، والبالغ عددهم -آنذاك- 512 طالبا وطالبة، ونجح منهم 146 طالبا وطالبة، أي أن نسبة النجاح بلغت 28.51% تحديدًا، ما يعني أن نسبة الرسوب تخطت الـ70% لهذا العام، إلا أنها لم تكن الأكبر داخل جامعة جنوب الوادي -حينها- خصوصًا وأنه لم ينجح سوى 54 طالبًا بكلية طب الأسنان فقط، بنسبة رسوب بلغت نحو 80%.

وعلى نهج طب جامعة جنوب الوادي سارت نظيرتها بجامعة سوهاج، والتي سجلت للعام الثاني على التوالي نسبة رسوب بالفرقة الأولى من طلاب كلية الطب بلغت 75% للعام الجامعي الحالي 2023-2024 مقابل 25% نسبة نجاح، أي أن عدد الطلاب الناجحين بلغ 203 طلاب من أصل 825 طالبا، إلا أن «طب سوهاج» تفوقت على نظيرتها بجنوب الوادي في الإخفاق، بعدما أظهرت مقارنة نتائج العام الجاري بالعام الماضي 2022-2023، ارتفاع نسبة الرسوب هذا العام عن الماضي الذي سجل رسوب 61% من طلاب الفرقة الأولى مقابل نجاح 39%، أي أن عدد الطلاب الناجحين بلغ 222 طالبا من 568 أدوا الامتحانات، مع العلم أن عدد طلاب الفرقة -حينها- بلغ 600 طالب، اعتذر وتخلف عن الحضور 32 طالبًا.

لم تتفرد جامعة جنوب الوادي وحدها بهذه «المصيبة» -حسبما وصفها الكثيرون- إلا أن طلاب الفرقة الأولى بكلية الطب البشري جامعة أسيوط -الأعرق بالصعيد- رسب منهم 720 طالبًا من إجمالي 1207 طلاب خاضوا الامتحانات، ما يعني أن نسبة الرسوب بلغت نحو 60%.

جدل واسع أثارته تلك الإخفاقات -غير المألوفة- العام الماضي، إلا أن الأزمة ذاتها لم تلق ردود الفعل الواسعة ضدها هذا العام، وكأن الجميع ألِفَ الأمر، بخلاف طلب إحاطة بشأن تكرار الأزمة للسنة الثانية على التوالي بـ«طب سوهاج»، علاوة على وجود اتهامات حول أن السبب الرئيسي وراء تلك «المصيبة»، يرجع إلى تفشي الغش في لجان الثانوية العامة، وما يُعرف بـ«لجان أولاد الأكابر» التي تجمع عدد من طلاب شهادة الثانوية العامة المحوِلين إلى إدارة تعليمية بعينها ومن ثَم يتم تسهيل الغش لهم، ما أدى إلى حصولهم على «مجاميع» مرتفعة مكنتهم من الالتحاق بكليات الطب، وهم غير مؤهلين للدراسة بها.

وفي 25 فبراير 2024، تقدمت عضو مجلس النواب آمال عبدالحميد، بطلب إحاطة إلى رئيس المجلس المستشار حنفي الجبالي، لوزيري التعليم العالي والتربية والتعليم؛ للوقوف على أسباب الأزمة، وعن كيفية التحاق طلاب ذو مستوى دراسي متدن بكلية الطب، التي من المفترض أن يلتحق بها المتفوقون.

الغش سر الفشل

كما كشف رئيس جامعة جنوب الوادي السابق، الدكتور يوسف الغرباوي -آنذاك- أن معظم الطلاب الذين حجبت نتائج مدارسهم فى الثانوية العامة بسبب شبهات الغش الجماعي التحقوا بكلية الطب جامعة جنوب الوادي، وأن بعضهم لا يجيدون اللغة الإنجليزية لا كتابة ولا قراءة.

معظم الطلاب الراسبين تخرجوا في عدد من مدارس الثانوية العامة المعروفة لدى الجميع، إلا أن مستواهم الدراسي ضعيف جدًا، لاسيَّما مستواهم في اللغة الإنجليزية، حسبما أوضحت لجنة مُشكلة من كلية الطب جامعة جنوب الوادي؛ لبحث أسباب نسب الرسوب العالية للعام الثاني على التوالي، وفقًا لمصادر بالكلية.

وتؤكد، أن كلية طب جامعة جنوب الوادي، حاصلة على شهادة الجودة التعليمية والاعتماد الدولي، ما يجعلها لا تسمح بتخريج مٌنتج تعليمي ضعيف يهين الكلية والجامعة.

أزمة الرسوب شبه الجماعي، العام الماضي، بكلية الطب جامعة جنوب الوادي، لفتت انتباه عميد الكلية السابق الدكتور علي عبدالرحمن -حينها- منذ اطلاعه على نتيجة الفصل الدراسي الأول، لاسيَّما وأن نسبة النجاح بلغت حينها 33% على الرغم من أن نسب النجاح بالكلية -قبل تلك الكارثة- لم تقل عن 90% سنويًا، رغم أن الكلية لم تغير المناهج الدراسية أو طرق تقييم الطلاب، ما جعله يؤكد أن الشيء الوحيد الذي تغير هو مستوى الطلاب الذي التحقوا بالكلية.

95% من الطلاب الراسبين العام الماضي، بـ«طب جنوب الوادي»، كانوا من خريجي مدارس ثانوية عامة بعينها تابعة لعدد من المراكز المعروفة؛ للدرجة رسوب 79 طالبا من أصل 80 طالبا ملتحقين بالكلية من لجان إحدى المدارس الثانوية، ما يعني أن الطلاب الراسبين الذين التحقوا بكلية الطب لم يكونوا ذو كفاءة، بسبب عدم ملائمة نظام تقييمهم في التعليم ما قبل الجامعي، ما دفع الكلية إلى مخاطبة وزارة التعليم لمراجعة معايير تقييم طلاب الثانوية العامة قبل إلحاقهم بالجامعات، حسبما أكد عميد كلية الطب جامعة جنوب الوادي.

لم نظلم أحد

السبب ذاته وراء الإخفاق شبه الجماعي في كلية الطب جامعة سوهاج، ما نتج عنه ضعف مستوى الطلاب الملتحقين بالكلية، ولذلك لم يكونوا على القدر الكافي الذي يؤهلهم للالتحاق بكلية الطب، لاسيَّما وأن «الطب» لا تقاس بالمجموع الحاصل عليه الطالب في الثانوية العامة، حسبما أكد عميد كلية الطب جامعة سوهاج، الدكتور مجدي القاضي.

وبخلاف عميد «طب جنوب الوادي» لم يجزم «القاضي»، أن السواد الأعظم من الطلاب الراسبين بالكلية من خريجي المدراس التي طالت لجان امتحاناتها اتهامات بالسماح بالغش.

ورغم ذلك يؤكد أن الكلية لم تظلم أي طالب، وأن جميع الطلاب حصلوا على الدرجات التي يستحقونها، لاسيَّما وأن نظام الامتحانات بالكلية إلكتروني، ولا يوجد به أي تدخل بشري مطلقًا، مُشيرًا إلى أن الطالب يكون على علم بالدرجة يحصل عليها فور انتهائه من الامتحان، حسبما يظهر أمامه على شاشة الكمبيوتر الذي يؤدي من خلاله الامتحان، قبل المغادرة.

الأمر بالنسبة لكلية الطب جامعة أسيوط مختلف بعض الشيء، لاسيَّما وأن نصف عدد الطلاب الراسبين من الوافدين السودانيين -على وجه التحديد- البالغ عددهم 350 طالبا، أخفق من بينهم 339 طالبا، مقابل نجاح 11 طالبا فقط، حسبما أكد عميد كلية الطب جامعة أسيوط، الدكتور علاء عطية.

إجمالي الطلاب المقيدين بالفرقة الأولى بكلية الطب جامعة أسيوط، لعام 2022-2023 -وهو العام الذي شهد الرسوب شبه الجماعي- بلغ 1270 طالبا، رسب من بينهم 720 طالبا، وبالتالي فإن نحو نصف الراسبين -آنذاك- من الطلاب الوافدين، لعدم التزامهم بالحضور منذ بدء  العام الدراسي.

لم يُعز «عميد طب أسيوط»، أسباب الرسوب شبه الجماعي إلى إخفاق الطلاب الوافدين وحسب، بينما أكد أن الغش المتفشي في لجان امتحانات دفعة الثانوية العامة 2022، أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى إخفاق 381 طالبا مصريا، مُعقبًا: «هذه نتيجة طبيعية للغش».

التكرار جرس إنذار

تكرار الرسوب شبه الجماعي للعام الثاني على التوالي في جامعتي سوهاج جنوب الوادي، جرس إنذار خطير، لجميع المعنيين بحال التعليم في مصر؛ لاسيَّما وأن تداعياته ستكون سيئة للغاية، عند تخريج طبيب في المستقبل القريب، دون المستوى، حسب قول عضو مجلس النواب بلجنة الخطة والموازنة، آمال عبدالحميد.

الرسوب شبه الجماعي، تسلط الضوء على تفشي الغش بامتحانات الثانوية العامة في بعض المدارس، كما تشير إلى ظاهرة تسريب الامتحانات المتكررة كل عام وفشلت وزارة التعليم في تحجيمها، حسب قول «عبدالحميد».

وتختتم عضو مجلس النواب حديثها في هذا الشأن، بأن نتائج طلاب الفرقة الأولى ببعض كليات الطب، تعكس ضعف منظومة امتحانات الثانوية العامة، بدليل حصولهم على مجاميع كبيرة ولكنها غير شرعية، أدت إلى إلحاق طلاب لا قدرة لديهم لدراسة مقررات الطب.

وصول نسب الرسوب بالفرق الأولى ببعض كليات الطب، إلى نحو 70% وأكثر، أمر مخجل، ويحتاج إلى إعادة تقييم النظام التعليمي الجامعي وما قبله، حسبما يرى عضو لجنة التعليم والتكنولوجيا والبحث العلمي بمجلس الشيوخ، حسانين توفيق.

وقال «توفيق»، إن تصريحات رئيس جامعة جنوب الوادي، التي أكد خلالها أن معظم الراسبين كانوا ضمن لجان الثانوية التي حُجبت نتائجها، وأنهم لا يجيدون الإنجليزية قراء ولا كتابة، تعني أن مستقبل الطب في خطر، بعدما سمحنا لمجموعة غشاشين بالحصول على لقب طبيب واللعب بصحة أبنائنا.

ويؤكد «توفيق»، أنه فيما يتعلق بأن نحو نصف عدد الراسبين في كلية الطب جامعة أسيوط العام الماضي، كانوا من الطلاب الوافدين، يجعلنا بحاجة إلى تحديد معايير شهادات الثانوية العامة، التي يتم قبول الحاصلين عليها في كلياتنا.

ويختتم عضو مجلس الشيوخ حديثه في هذا الشأن، بالتشديد على أن الموضوع بأكمله يحتاج إلى تحقيق من وزارتي التعليم العالي والتربية والتعليم، للوقوف على الحقيقة وتصحيح الوضع، حتى وإن كلفنا فصل هؤلاء الطلاب إن صحت الاتهامات بحقهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى