سيناريوهات انفجار «الفقاعة العقارية» وانهيار أسعار الوحدات السكنية في مصر
مع ارتفاع أسعار الوحدات السكنية، بدأ الحديث بقوة عن «الفقاعة العقارية»، وهو ما أثار حالة من الجدل بين الأوساط الاقتصادية ولا سيما مع زيادة المشروعات في القطاع وارتفاع الطلب خلال عام 2024.
«الفقاعة العقارية»، تعني حالة من الارتفاع المفرط والسريع في أسعار العقارات بشكل يتجاوز القيمة الحقيقية للعقار، بسبب عدة عوامل مختلفة، من بينها (تزايد الطلب على العقارات، علاوة على عمليات المضاربة، وزيادة السيولة النقدية)، مما يؤدي إلى تضخم أسعار العقارات، ومع انفجار الفقاعة تنهار الأسعار بشكل مفرط فيتعرض القطاع العقاري إلى صدمة قوية.
ارتفاع الفائدة وكم المعروض وراء الأزمة
وكان هاني توفيق، الخبير الاقتصادي، فجر صدمة للمواطنين، خلال الفترة الماضية، حول حدوث فقاعة عقارية، وانهيار أسعار الوحدات السكنية.
وقال «توفيق»، إن الأسعار حاليا تتضمن مكونا ضخما للفائدة يبلغ 32% سنويًا لمدة 10 سنوات.
وأضاف: «وعند تحقيق مستهدف الدولة في عام 2026، وهو 16%، فهذا معناه انخفاضا حادا في تكلفة التمويل، ومن ثم انخفاض الأسعار جذريًا في 2026 مقارنة بعام 2024».
وتوقع «توفيق»، أن تشهد الوحدات التي بيعت في عام 2024 تراجعًا كبيرًا في قيمتها، ما سيؤدي إلى انهيار الأسعار بشكل ملحوظ خلال السنوات القادمة.
وتابع: «بالنسبة لأصحاب المصالح من الخبراء العقاريين، والسماسرة، وغيرهم الذين يدعون أن مصر تحتاج 2.5 مليون وحدة جديدة سنويًا، أسألهم: كام واحد من الـ2.5 مليون شاب يقدر على 5 و10 مليون للشقة!! حضراتكم مش عايشين معانا !!!».
ولاقت توقعات هاني توفيق، تأييدا بين عدد من الخبراء، مؤكدين أن مصر على أعتاب «فقاعة عقارية» بالفعل، ولا سيما مع ارتفاع أسعار الشقق لتصل إلى 25 مليون جنيه، والفلل إلى 500 مليون جنيه، بجانب انخفاض نسبة الشراء بـ«الكاش»، مرجعين ذلك إلى عدة أسباب أهمها سعر صرف الدولار والفائدة المرتفعة وكم المعروض من الوحدات للبيع.
وأضاف الخبراء، أن نسبة الإشغال في القطاع لا تتخطى 30% ويتم بناء 70% إضافية على أمل بيعها ومع سحب المركزى للسيولة من السوق وحلول أقساط القروض التى حصل عليها المطور العقارى أو المقاول فسوف يتسبب ذلك فى وجود وفرة فى الوحدات وتكالب للبيع مما يصب فى صالح المشترى وتنخفض الأسعار، حيث الوحدة التي ثمنها الآن مليون جنيه خلال السنوات المقبلة ستصبح بـ840 ألف جنيه.
وأشار الخبراء، إلى أن سوق مصر يعتمد على البيع بالتقسيط وليس هناك «كاش» لارتفاع الأسعار وعدم توفير السيولة لدى المشتري، موضحين أن القطاع لا يحتاج إلى مشروعات ترفيهية جديدة تضيف وحدات جديدة ويلزم بيع الوحدات القديمة أو التخلص منها أولًا قبل بناء وحدات جديدة.
رد وزير الإسكان
ومع كثرة الحديث عن حدوث فقاعة عقارية، خرج وزير الإسكان، المهندس شريف الشربيني، خلال مؤتمر صحفي مستبعدًا ذلك، قائلًا: «لا خوف من وجود فقاعة عقارية داخل مصر، لأن هناك طلبا حقيقيا على العقار المصري».
وأشار وزير الإسكان، إلى أن المناطق الساحلية أصبحت تشهد إقبالا غير متوقع على كل المشروعات التي يتم طرحها.
وأوضح «الشربيني»، أن معدلات النمو السكاني في مصر، التي تبلغ حوالي 2 مليون نسمة سنويًا، تضع على عاتق الوزارة مسؤولية توفير نحو 200 ألف وحدة سكنية سنويًا، سواء من خلال القطاع الخاص أو مشروعات الدولة.
وأكد أن الحديث عن وجود فقاعة عقارية يتعارض مع الواقع، مشددًا على أن هدوء الطلب في بعض الفترات لا يعني بالضرورة وجود فقاعة.
حالة وحيدة للخسارة
وتعليقًا على انهيار أسعار العقارات، قال المهندس محمد طاهر، عضو جمعية مطوري القاهرة الجديدة والعاصمة الإدارية، إن العقار في مصر على مدار تاريخه لم يشهد انخفاضًا في الأسعار بل على العكس أثبت أنه الملاذ الآمن لحفظ قيمة الأموال وتحقيق عوائد كبيرة رغم الاضطرابات الاقتصادية المختلفة، والحديث عن انهيار وركود محتمل هو أكذوبة.
وأضاف «طاهر»، أن أفضل وقت لشراء عقار هو خلال الفترة الحالية، لافتًا إلى أن من تعاقدوا على وحدات قبل 4 سنوات رغم التخوفات وقتها بأن أسعار العقارات في طريقها للانهيار، حققوا مكاسب كبيرة، فمن تعاقد على وحدة في عام 2020 حقق مكاسب تتخطى 500% بحلول العام الحالي، وكذلك الحال الآن وسيكون كذلك بعد 4 سنوات قادمة.
وأكد، أن الأسعار سترتفع بشكل كبير، خلال الفترة القادمة، بسبب ارتفاع أسعار الوقود وبالتبعية أسعار الحديد ومواد البناء كذلك، وارتفاع أسعار الأراضي وتكلفة التسويق والبيع ولذا الرابح هو العميل الذي يتعاقد على وحدة بمشروع منتقى بعناية في 2024 فهذا توقيت مثالي للاستثمار في العقار.
وأشار إلى أن حديث البعض عن بيع العقار بأسعار تقارب فوائد البنوك، كلام غير دقيق، حيث تتعامل الشركات في الحدود الطبيعية وتعتبرها فترة عارضة وتتحمل فرق تكلفة رأس المال، مؤكدًا أن تعامل الشركات العقارية بمعدل خصم 32% يعني أن سعر بيع المتر سيرتفع من 80 ألف جنيه إلى 180 ألف جنيه، فضلا عن وجود منافسة عالية في السوق تمنع حدوث تلك الزيادات الكبيرة.
وكشف عضو جمعية مطوري القاهرة الجديدة والعاصمة الإدارية، عن حالة واحدة يخسر فيها العميل أمواله، أبرزها الاختيار الخاطئ للمشروع أو لشركة التطوير، فالشراء والتعاقد مع شركة ضعيفة هو خسارة محققة للأموال، وكذلك التعاقد مع شركة لم تدرس السوق أو المشروع بالشكل المطلوب ما يترتب عليه عدم تنفيذ المشروع من الأساس أو تنفيذه بمستوى ضعيف فلا يكون العائد منه مجزيا.
طرد التاجر العقاري
ومن ناحيته، قال المهندس حسام طه، مطور العقاري، ونائب رئيس مجلس إدارة شركة قرطبة للاستثمار العقاري، إن حدوث الفقاعة العقارية أمر مستبعد، ولكن المستهلك ينظر إلى العرض والطلب هذا غير صحيح، لأن صناعة العقار تحكمها مدخلات كثيرة منها سعر الأرض والتي يزداد سعرها مع الوقت، بجانب ارتفاع أسعار الخامات الأساسية في البناء مثل الحديد والأسمنت مع استمرار زيادة المحروقات.
وأضاف، أن السوق سيطرد الفترة المقبلة التاجر العقاري، والذي يشتري الطرح الأول للمشروع وكان هدفه يحقق مكسبا قبل دفع المقدم أو قطعة من الوحدة.
وأشار «طه»، إلى أن المطور العقاري بدأ في تنفيذ سياسات جديدة؛ لإحكام نشاط التاجر العقاري، حيث وضعوا شروطا تلزم بعدم التنازل عن الوحدة إلا بعد سداد جزء من ثمنها، بالإضافة إلى أن المطور أصبح يطرح 10% فقط من المشروع والتعامل مع المطور بشكل مباشر بعيدًا عن عمليات الـ«resale»، مؤكدًا أن انخفاض أسعار العقارات أصبحت مستحيلة مع عمليات الانضباط الحالية في السوق.
حول ارتفاع نسبة الفائدة، أوضح أن الفائدة على أسعار العقارات لا تزال كما هي لم تتغير 22%، وليست 32% كما يدعى البعض، قائلًا: «الفترات الماضية كانت السداد تصل إلى 5 سنوات حاليًا أصبحت 10 سنوات، مع نسبة التحوط من زيادة الأسعار خلال تنفيذ المشروع وهو ما اعتبره البعض ارتفاعا في نسبة القروض وأسعار العقارات».
وتابع: «السوق المصري عليه زيادة في الطلب على العقارات رغم ارتفاع الأسعار حتى بعد وصول الغرفة الواحدة إلى 12 مليون جنيه، في إحدى المشروعات، وانتهاء الحجز في المرحلة الأولى بعد ساعات من الطرح، وهذا يدل على أن العائد المادي من هذه الوحدات سيرتفع العام المقبل إلى 15 مليون جنيه».
ولفت المطور العقاري، إلى أن القطاع يشهد تباطؤا في البيع والشراء، ولكنه لن يحدث فيه انخفاض، لذلك تم وضع نظام التقسيط بدلا للكاش لتنشيط السوق مع ارتفاع التضخم وانخفاض قيمة الجنيه.
محافظ عقارية
بدوره، قال خالد عاطف، المهندس الاستشاري وخبير التقييم العقاري المعتمد، إن انخفاض أسعار العقارات أمر مستحيل حدوثه؛ لأن العقارات أصبحت احتياجا بشريا وضروريا وليس ترفيهيا مثل الأكل والشرب، بجانب اتجاه رجال الأعمال وكبار المستثمرين المحليين والخليجيين لشراء محافظ عقارية، بالإضافة إلى وجود 10 ملايين ضيف يرفعوا الطلب على العقارات.
وأضاف «عاطف»، أن ارتفاع أسعار العقارات جاء نتيجة زيادة الطلب عن المعروض، وارتفاع أسعار مواد البناء أبرزهم الحديد والأسمنت.
وأشار خبير التقييم العقاري، إلى أنه رغم ارتفاع الأسعار فالإقبال كبير على الشراء من الطبقات العليا، أما لمحدودي الدخل فالحكومة تطرح شقق إسكان اجتماعي، هذا بالإضافة إلى نظام التقسيط الذي سهل على الجميع الشراء.
الفرق بين مصر وأمريكا في الفقاعة العقارية
قال أبو الحسن نصار، رئيس المركز الاستشاري للخبراء العقاريين، إن ما يحدث في السوق المصري، من ارتفاع في أسعار العقارات لا يعني حدوث فقاعة عقارية وخاصة مع استمرار ارتفاع الطلب ووجود نظام للتقسيط والإيجار.
وأضاف، أن ارتفاع الأسعار جاء نتيجة التعويم، حيث مرت مصر بـ5 مراحل لخفض قيمة الجنيه منذ مارس 2022 حتى الآن، وهو ما دفع كثير من المواطنين للاتجاه إلى شراء العقار كمخزون للقيمة لأنه أصبح ملاذا آمنا للاستثمار.
ولفت خبير التقييم العقاري، إلى أنه مع ارتفاع الأسعار أصبح أيضًا هناك امتناع لبيع الشقق في المحافظات الكبرى، مثل: الإسكندرية، والقاهرة، والجيزة، حيث أصبح الإيجار هو المسيطر على الوضع لأنه يعطى عائدا ماديا شهريا، مستبعدًا حدوث فقاعة عقارية في مصر.
وحول مقارنة ارتفاع الأسعار بأزمة أمريكا، أكد أن وضع أزمة الرهن العقاري في أمريكا عام 2008، مختلف تمامًا عن مصر، حيث أمريكا كانت تضع تسهيلات زيادة عن اللزوم في القروض العقارية والسماح بعمل أكثر من عقد للرهن العقاري الواحد، وتهاون بشكل كبير في الاستعلام الائتماني سواء رغم المتقدم كان حرفيا أو طالبا وهو ما وضع البنوك الأمريكية في ورطة بعد عدم مقدرة أصحاب القروض على السداد، بالإضافة إلى عدم تحملهم غرامات التأخير في السداد ولا الفوائد التصاعدية.
وتابع: «ومع تفاقم المشكلات لجأت البنوك لأخذ أحكام واستحوذت على الشقق، حيث تم البيع في مزاد علني بحكم محكمة وهو ما أدى إلى زيادة كبيرة في المعروض ومن ثم انهيار أسعار العقارات في أمريكا وخسائر لشركات العقارات والبنوك وشركات التأمين والبورصة كما حدث تداعيات سلبية لهذه الأحداث على البلاد الأخرى».
وأشار «نصار»، إلى أن الوضع في مصر مختلف، حيث تضع شروطا صارمة ومحكمة للتمويل العقاري وامتلاك البنوك استعلام ائتماني قوي، بالإضافة إلى أن عدم وجود غير رهن واحد للعقار.