لماذا لا تتعلم الدولة من أخطاء الماضى؟
بالرغم من تأكيدات الحكومة التعلم من أخطاء الماضي في الشق الاقتصادى، إلا أنه لا تزال بعضها مستمرة حتى هذه اللحظة، لعل أبرزها «جذب الأموال الساخنة، والاعتماد على القروض، وزيادة فاتورة الاستيراد من السلع الاستفزازية، والاستمرار في تنفيذ المشروعات، وسحب أموال من المصريين في الخارج».
خلال السطور التالية، الإجابة عن السؤال الصعب لماذا لا تتعلم الدولة من أخطاء الماضي وتسير في نفس الطريق منتظرة نتائج مختلفة عن ما سبق.
5 أزمات تضغط على الدولار وتزيد مشاكل المواطنين والمستثمرين والمصنعين
ويعد فخ الأموال الساخنة وهي «استثمارات الأجانب في أذون الخزانة»، من الأخطاء الماضية، حيث وقعت مصر في أزمة كبيرة عامي 2022 و2023، بعد خروج 22 مليار دولار أثناء أزمتي الحرب الروسية الأوكرانية وقبلها جائحة كورونا، كما في شهر أغسطس الماضي خرج خلال عمليات البيع العالمية، من 7 إلى 8% من إجمالي الأموال الموجودة في السوق، حسب تصريحات الدكتور مصطفي مدبولي رئيس مجلس الوزراء.
وخلال الفترة الماضية، قفزت «الأموال الساخنة» منذ إجراء تحرير سعر الصرف في مارس الماضي، لتستحوذ على 49% من إجمالي الأرصدة القائمة بنهاية مايو الماضي، وتسجل 1.77 تريليون جنيه بما يعادل 37.4 مليار دولار.
وتحمل الأموال الساخنة، أهمية للاقتصادات وخاصة الناشئة، إلا أن دخولها السريع، يعطي مؤشر لاحتماليات خروج مفاجئ وسريع أيضا، ويدفع القائمون على السياسات باتباع أساليب تحوط عند إدارة هذه التدفقات؛ لذلك يطلق العديد من التحذيرات حول استخدامها في تمويل التنمية أو تحقيق معدلات نمو مرتفعة، أو حتى في مجال تشجيع الاستثمار المباشر.
أما بالنسبة للديون، أعلن البنك المركزي، انخفاض الدين الخارجي لـ 152.8 مليار دولار بدلًا 168.034 مليار دولار بنهاية عام 2023، يعني نحو 8%؛ نتيجة اقتراض من صندوق النقد أو الشركاء الدوليين، بجانب تدفقات بيع الأصول.
وبحسب خبراء، فإن الحكومة تتوسع في الاقتراض، في ظل وجود فجوة تمويلية تقدر بنحو 10 مليارات دولار خلال 2024/ 2025، بينما إجمالي الاحتياجات التمويلية في الـ3 سنوات القادمة حتى يونيو 2027، يصل لـ84.7 مليار دولار وفقًا لتقرير المراجعة الثالثة مع صندوق النقد الدولي.
ويمثل الدين الخارجي -حاليًا- نحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي، ومدفوعات أقساط الديون وفوائدها بتاكل ثلثي الموازنة العامة للدولة.
ورغم ذلك وافق مجلس النواب بداية شهر ديسمبر الجاري، على قرض بقيمة مليار يورو (حوالي 52 مليار جنيه)، في هيئة مذكرة تفاهم لمساندة الاقتصاد الكلي ودعم الموازنة بين مصر والاتحاد الأوروبي.
وجاءت فاتورة الاستيراد من أبرز الأخطاء التى وقعت فيها الحكومة السنوات الماضية ولا زالت مستمر حتى الآن، حيث وصلت قيمتها إلى 95 مليار دولار سنويًا.
ومع انخفاض قيمتها المستمرة، خلال الفترة الماضية، إلا أنها لا تزال مرتفعة بالنسبة لموارد مصر الدولارية وحجم الصادرات المصرية، ولكن رغم ذلك لم تتوقف الحكومة عن استيراد السلع غير الأساسية وبعضها حققنا منها اكتفاء ذاتيا مثل «بيض المائدة».
وأعلن الدكتور شريف فاروق، وزير التموين والتجارة الداخلية، أن الشركة القابضة للصناعات الغذائية من خلال الشركات التابعة لها، تعاقدت على استيراد كميات تصل إلى مليون طبق بيض بما يعادل 30 مليون بيضة مائدة عالية الجودة.
ولم يتوقف الأمر على استيراد منتجات تحقق منها الاكتفاء الذاتي، بل وصل إلى السلع الاستفزازية والتي تحدث عنها الرئيس عبد الفتاح وأصدر توجيهات بتقليلها ولا يزال يتم دخولها حتى الآن إلى البلاد، ويجدها المواطن في المولات والمحلات والسوبرماركت.
وأبدى الرئيس عبد الفتاح السيسي، استياءه من فاتورة استيراد عدد من السلع والمنتجات الاستفزازية التي تأتي من الخارج وتكلف الدولة مليارات الدولارت، لافتا إلى أنها تمثل فرصًا واعدة لرجال الأعمال لتوطين هذه الصناعات في مصر.
وقال الرئيس السيسي، إن تكلفة استيراد العطور ومزيلات العرق وماء التواليت وصلت إلى 440 مليون دولار، ومستحضرات تجميل 500 مليون، وحقائب يد 200 مليون، وشيكولاتة 400 مليون دولار، حتى السيراميك، ورق الفويل بـ500 مليون دولار.
وفيما يخص مشروعات الدولة، أعلنت الحكومة خطة لتأجيلها وترشيد الإنفاق، لتوفير الدولار لاحتياجات البلاد في نهاية ديسمير 2023، ولكن سرعان ما عادت الدولة لتنفيذ بعضها الفترات الماضية، مثل: التوسع في مشروعات توصيل مياه الشرب والصرف الصحي، وتأهيل الطرق في القرى والنجوع، خاصة مع رفض القطاع الخاص المشاركة في مشروعات قومية تؤسس لصالح المواطن، – حسب ما ذكره خبراء -.
وخلال الفترة الماضية، ظهر مقترح برلماني بإنشاء المجلس القومي للمصريين بالخارج، يستهدف تقديم الرعاية للمصريين العاملين بالخارج والعائدين منهم، إذا تعرضوا لأي ظرف مفاجئ أو طارئ مثل الحوادث على سبيل المثال.
وأثار مشروع القانون جدلا واسعا وانتقادات لاذعة بعدما تم تسليط الضوء على بند الاشتراك السنوي الذي سيدفعه المصريون بالخارج للاشتراك في المجلس وقيمته 200 دولار، أي ما يقارب 10 آلاف جنيه مصري، وهو ما أدى إلى إعلان مجلس النواب عدم صحة ما تردد عن القانون.
ولم يكن المقترح الوحيد الذي أثار انتقادات واسعة ففي مارس 2023، أعلن نائب تقديم مقترح فرض رسوم على المصريين بالخارج، على أن يصدر قانون ينظم هذا الأمر باعتباره حقا للدولة المصرية، كونها من قامت بتعليمه وتربيته.
وأخذ هذا المقترح العديد من التحفظات، حيث أكد المحامي خالد أبو بكر حينها، أنه لا يمكن للدولة أن تتبنى هذا الفكر الذي يفرض نسبة مئوية كرسوم على المصريين بالخارج.
هروب الحكومة من المواجهة يضع الشعب فى ورطة خلال عام 2025
ويرى خبراء الاقتصادي، أن الدولة بالفعل لا تتعلم من أخطائها، نتيجة عدم وجود رقابة وديمقراطية حقيقية في البلاد، بالإضافة إلى الاستسهال من قبل المسئولين والهروب من المواجهة.
وفي هذا السياق، قال الدكتور إيهاب الدسوقي، رئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، إن وجود ديمقراطية حقيقية هي السبيل الوحيد لعدم استمرار الحكومة في أخطاء الماضي.
وأضاف،أن الظروف العالمية المحيطة بالدولة ليست سبب في تكرار أخطاء الماضي، متابعًا: «بل بالعكس هي تعطي دافعا للحكومة للتوافق مع الظروف الخارجية ووضع تصور واضح للخروج من الأزمات وتوقعات مستقبلية».
وأشار «الدسوقي»، إلى أن الظروف المحيطة في بعض الأحيان كانت في صالح مصر وليس ضدها ولم تتأثر بالسلب، موضحًا أن الحكومة هي التي لم تستطع استغلال بعضها..
وشدد الخبير الاقتصادي، على ضرورة وجود مراقبة حقيقية للحكومة من البرلمان والإعلام، قائلًا: «دائما ما ننادي في جميع الوسائل بعدم الاعتماد على الديون وسعر الصرف مرن ولكن لا أحد يسمع بآراء الخبراء أو البرلمان، بل نظهر دائما بصورة الذي يعمل ضد مصلحة الدولة».
اختيار نخبة وطنية للتفاوض مع صندوق النقد
ومن جانبه، قال مدحت الشريف، استشارى الاقتصاد السياسى وسياسات الأمن القومى ووكيل اللجنة الاقتصادية فى البرلمان السابق، إن الدولة مستمرة في أخطاء الماضي، والهروب من المواجهة، حيث أصبحت الحكومة خاضعة لصندوق النقد الدولي بشكل كامل وكل ما يحدث هو مجرد تنفيذ تعليماته، هو أمر خطر على الدولة المصرية.
وأضاف،، أن المفهوم التقليدي للاحتلال العسكري تغير وأصبح يأخذ أشكالا جديدة تسمي بـ«حرب الاقتصاد»، وهي استراتيجية معينة تتخذ ضد دولة بهدف إضعافها اقتصاديًا، بشكل مباشر سواء بواسطة دولة أو مجموعة من الدول، أو بشكل غير مباشر بأدوات كالموقف الحالي مع صندوق النقد هو الذي يتعامل من خلال مجموعة من الدول التي تحركه، بحيث يتم إغراق دول بعينها في الديون وتحويلها لدول تابعة اقتصاديًا بما يؤثر على إرادتها السياسية وهو ما يعتبر أقل تكلفة من الصراع العسكري وأكثر نفعًا لهم.
وأشار إلى أن الظروف الحالية تتطلب نخبة وطنية مختارة بعناية للمشاركة في التفاوض مع الصندوق، دون إلغاء دور المسئولين الحالين وحتى وإن كانت هذه المشاركة بصيغة المراقبة، لكى نستبعد شبهة تضارب المصالح، حيث إن المفاوضين الحاليين هم في الأصل موظفين سابقين لدى الصندوق أو في البنك الدولي أو في مؤسساتهم المختلفة، أو موعودين بمناصب في هذه المؤسسات بعد خروجهم من وظائفهم الحكومية.
حول الديون والأموال الساخنة، قال إن البنك المركزي، أعلن انخفاض حجم الدين الخارجي إلى 158 مليار دولار، على الجانب الأخر اقترضنا من خلال السندات وأذون الخزانة وهي ما يطلق عليها الأموال الساخنة ما يتعدي الـ45 مليار دولار وهو مؤشر خطير، حيث إن مصر معرضة لمخاطر كثيرة في حالة سحب أو خروج جزء من هذه الأموال مثلما حدث بعد هروب 22 مليار دولار في 2022، الفترة الحالية لا تتحمل تكرار هذه الأزمة مرة أخرى.
وخلال المرحلة السابقة هناك عدد من التعليمات لصندوق النقد الدولي التي تؤثر بالسلب على الحالة الاقتصادية في مصر، فبالنسبة للاعتماد على الاستيراد، تابع الشريف: «المشكلة الأساسية لدينا هي نقص العملة الحرة بشكل واضح ورغم ذلك فإن برنامج صندوق النقد يجعلنا دائمًا نعتمد على الاستيراد، بما يؤدى إلى تحويل الدولة لسوق مستهلك للبضائع المستوردة، وخاصة من الدول المتقدمة صناعيًا حتى لا يكون هناك منتج وطني ينافسهم، ومؤشرات ذلك ظهرت خلال المراجعة الأخيرة لصندوق النقد الدولي، وعلى سبيل المثال، النقطة الأولى هي سياسة رد أعباء الصادرات، حيث رفض صندوق النقد استمرارها وبالفعل انخفضت قيمتها من 7 و8 % إلى 2 و3 %، وهو بالطبع أثره سلبي على التصدير ويؤدي إلى تحجيم المنتج الوطني الذي نستورده بعملة صعبة، وخاصة على الشركات المتوسطة والصغيرة التي تعمل في مجال التصدير، وهو مناقض تمامًا لتصريحات رئيس الوزراء بدعم الصادرات».
وواصل: «النقطة الثانية، هى تقليل فاتورة الواردات، وذلك من خلال سياسة متبعة من الحكومة لتحجيم الاستيراد، فقد أصدر البنك المركزي تعليماته للبنوك بعدم الموافقة على فتح الاعتمادات المستندية لعدد 14 سلعة إلا بعد الوجوع إليه لتقليل استنزاف العملة الحرة، ولكن بعد مراجعة صندوق النقد الأخيرة، تم التراجع فيه وعلى حسب توقعاتي هي تعليمات من صندوق النقد الدولي».
واستكمل: «النقطة الثالثة، هي إلغاء مبادرات تمويل دعم الصناعة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة بفائدة بين 7 و10%، بطلب من الصندوق، وهو البند الخاص بتوحيد الفائدة، مما كان له تأثير متفاوت على المنتج المصري، فقد تأثرت المشروعات الصغيرة والمتوسطة بشكل كبير والتي نسبتها لا تقل عن 90% من حجم المشروعات في مصر، حيث إن فائدة الاقترض الآن لهذه المشروعات تتراوح بين 28% إلى 32%، وبعضها يقلص نشاطهم وأخرين يتوقفون عن العمل».
وأضاف: «اعتماد مصر على برنامج صندوق النقد الدولي يعني تعرضها لأزمات طاحنة للغاية وتحكم أذرع خارجية في مصر في بعض الأوقات للتأثير على قرارها السياسي، ونحن أيضًا نرى ما يحدث في سوريا، حيث إن كل دولة يتم التعامل معاها بروشتة مختلفة لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، حيث بدأت إسرائيل باحتلال جزء من سوريا وتنفيذ استراتيجية إسرائيل الكبرى بطريقة سريعة ومدعومة من دول عظمي، واحتلت شريط بعرض 12 كيلو من بعد هضبة الجولان، وتم تدمير وقصف مواقع وأسلحة الجيش السوري لتفرض سيطرتها الكاملة، بجانب تدمير جنوب لبنان والإبادة في غزة، ولا نريد في النهاية الضغط على مصر من خلال صندوق النقد الدولي وبرنامجه لتنفيذ صفقة القرن إما بتهجير الفلسطنيين إلى سيناء أو مبادلة الأراضى لإيجاد وطن بديل لهم، وهو ما سبق وعرض على مصر ورفضته شكلًا وموضوعًا شعبا وقياة ساسية».
فتح الباب للسوق السوداء
وحول المقترح البرلماني بفرض رسوم على المصريين في الخارج، أكد «الشريف»، أنه أمر غير منطقي وغير مقبول شكلًا وموضوعًا ويظهر عدم الوعي السياسي والاقتصادي، لما تمر به البلاد من أزمات، فهذه الفرضية تضعف تحويلات المصريين في الخارج والتي زادت بنسبة 42% خلال الأشهر الماضية، وهو أيضًا يفتح الباب أمام عودة السوق السوداء مرة أخرى.
وعن استمرار بعض المشروعات الحكومية، أوضح وكيل اللجنة الاقتصادية فى البرلمان السابق، أن مجلس الوزراء أصدر قرارا بترشيد المشروعات التي تدخل في الموازنة الاستثمارية، ولكن تم استثناء عدد من المشروعات القومية والتي بدأت الحكومة في تنفذها والإنفاق عليها بمبالغ مالية كبيرة جدًا، مما يشير إلى أن الاتجاه السياسي يغلب على الاقتصادي في هذه المرحلة.
واستطرد: «لكن المنطق الاقتصادي يقول إنه يجب تأجيل جميع المشروعات الحالية التي ليس لها قيمة وعائد ومنفعة اقتصادية حقيقية، خلال الفترة القصيرة المقبلة على أن تستأنف ما بعد الأزمة الحالية، فنحن نتحدث على أرقام تتراوح بين 35 إلى 39 مليار دولار من شهر ديسمبر الجاري وحتى نهاية 2025 كالتزامات على الحكومة؛ لسداد قروض سواء الطويلة أو قصيرة الأجل، وفوائد الديون، بما فيها الشق الخاص بالأموال الساخنة، وليس للدولة مصادر دولارية مضمونة لتغطية جميعها».
ولفت البرلماني السابق، إلى ضرورة الإدراك الكامل بمخاطر المرحلة الحالية، وخاصة مع وجود إدارة ترامب والتي ستكون نقطة قوة لدى إسرائيل لاستغلال هذه الإدارة في الضغط على مصر من خلال أزمتها الاقتصادية، فالجيش المصري قوي والجميع يعمل له ألف حساب ولكن البعد الاقتصادي هو نقطة الضعف لدى مصر في الوقت الحالي.
وختم: «نحن في مرحلة شديدة الصعوبة، لذلك يجب أن نعمل جميعًا لعدم الوصول إلى وضع يهدد الأمن والسلم المجتمعي، كما يجب أن نضع في أولوياتنا القرارات التي تمس محدودي الدخل والفئات الأكثر احتياجًا في مصر والتي أصبحت في حالة صعبة ومن الضروري الحد من آثار برنامج صندوق النقد على هذه الفئات ومراعاة أعداد المواطنين الواقعين تحت خط الفقر المادى والفقر المدقع والتي تزايدت بشكل مطرد خلال السنوات الأخيرة».